هذا المكان لنا

في تشرين الأول من عام 2019، اندلعت الاحتجاجات في شوارع لبنان على تدهور الأوضاع المعيشية وانهيار العملة والاقتصاد. في لحظة وجيزة من تاريخ البلاد، استيقظت الشوارع و المباني والمساحات التي مُنع الناس من دخولها لعقود تحت سياسات الإقصاء والردم.

 في هذه الحلقة، نتعمق في تاريخ وسط بيروت المثير للجدل، والطرق التي احتل بها الناس هذه المساحة في انتفاضة 2019 وعمق الخسارة التي يعاني منها الشعب اللبناني في أعقاب تلك الأحداث.

بودكاست مسافات من إنتاج شبكة كيرنينج كلتشرز.

هذه الحلقة من إعداد دينا سالم ومن تحرير هبة عفيفي. دعم تحريري من ألمى عنتابلي، شهد بني عودة، نيما صالحة، وسمية بوعبدالله. بحث وتدقيق الحقائق لدينا صبري، والتصميم الصوتي لمنذر الهاشم. التصميم الجرافيكي لأحمد سلهب و غلاف الحلقة من تصوير دينا سالم.

شكر خاص لضيوفنا جنى نخال، منى حرب، فراس حيدر وفرح خطيب وكل من وقدم الدعم اللازم لإنتاج  هذه الحلقة. 

يمكنكم دعم هذا البرنامج عبر patreon.com/kerningcultures بمبلغ يبدأ من دولارين في الشهر.

نص الحلقة

نيما صالحة: ما بعرف قديه فينا نقول إنه مكتوب دولة عرصات بمية محل! تحذير: ممنوع الدخول تحت طائلة المسؤولية، هلأ بنشوف. يعني حتى هول المسافات الصغيرة كلهن مسكرينهن! بس برضو في ناس فايتة وكاتبة عالحيطان. 

 

دينا سالم: عم تسمعوا صوت زميلتي نيما وصديقتها فرح في وسط مدينة بيروت… التسجيل هذا نعمل من عدة أسابيع…

 

نيما صالحة: أوك، معمرين حيطان على بواب المسرح وعلى راس الحيط، فوق الحيط في اسمنت وقطع قزاز ملزقينهن كرمال ما يقدر حدا ينط فوق الحيط بلا ما يجرح حاله. 

 

دينا سالم: كنت في البيت مع أصدقاء، طلاب جامعة قاعدين بجمعة بعد يوم طويل من الصفوف… وبلش يوصلنا مسجات على تلفوناتنا… في مظاهرات في الشوارع…. الناس عم تنزل وعم ترفض قرار الحكومة… فكرنا في الأول أنها كانت حادثة فردية أو مجموعة صغيرة نازلة للحظة…كان في قناعة عامة انه هيك اشي ما بصير في مكان مثل لبنان… عمق الانقسامات الاجتماعية و الطائفية بين الناس ما رح يترك مجال … او هيك قلنا… كإن التناقضات الحادة في هذا المكان في حولها نوع من الاستثنائية… كنا غلطانين… 

 

فراس حيدر: إنه يا الله يلا عم تبلّش تولع، عم بي… شكله ما بعرف العالم عم تبلّش تتحرك، العالم عم تنزل تتظاهر، بس ما كنّا عارفين قديه بوقتها يعني شو كان عم بيصير، ما كنّا عارفين مدى هالحراك أو مدى هالمظاهرات ووين عم توصل. 

 

دينا سالم: هذا فراس حيدر… مصوّر ومخرج وصحفي عايش في بيروت… فراس كان متظاهر وكان من الي ساعدوا في توثيق الأحداث على الأرض من البداية في هذيك الفترة … 

 

هبة عفيفي: كان يوم  ١٧ أكتوبر أو تشرين الأول، ٢٠١٩… انهيار الليرة اللبنانية كان لسا في أوائل مراحله… وطلع خبر انه الحكومة اللبنانية بتخطط لفرض ضريبة على استخدام تطبيق الواتس آب… الحصول على حقوق بسيطة زي الماء والكهرباء أصبح مكلف ومعقد أكثر … وكان الجو مشحون في اليوم ده والناس غضبانة من سخافة محاولات الحكومة انها تتحملهم عبء عقود من من السياسات الاقتصادية الفاشلة اللي اتفرضت على الشعب من بعد الحرب الأهلية…

 

دينا سالم: مثل كثير من الناس … اليوم الثاني، ١٨ تشرين الأول نزلنا على الشارع  كلنا باتجاه واحد… لوسط البلد في بيروت…

 

جنى نخال: كان من أجمل الشي اللي شفته والأشياء اللي شفتها لأنها كانت استعادة حقيقية بكل معنى الكلمة by the book يعني، بكل الأشياء اللي تعلمناها هي أكتر منها للمساحة العامة، أول شي لمّا الناس فاتت متل ما حكينا شفنا إنه عندهن مسافة فيه بيناتهن وفي كراهية وفي نقمة على هاي المنطقة، ف صار في تكسير، صار في تكس.. وكان .. كان من أجمل الاشيا اللي عم تشوفي إنه عم كسّر شي لأنه أنا بحياتي ما قدرت استخدمه، ف إلي حق أنا كسره وهيدا ملكي 

 

دينا سالم: هذا صوت جنى نخال، مخططة مدنية وطالبة دكتوراة في التخطيط المدني والسوسيولوجيا

 

دينا سالم: طبعا ما كان في اي نوع من التنظيم السياسي الذي دفع الناس لتنزل غير شعور جماعي بالقهر والغضب.. كان كل شي عفوي… سيارات عم بتزمر، زبالة وعجال عم تحترق في كل زاوية وافواج من الناس، أولها عشرات بعدين مئات وبعدين آلاف من شباب، كبار و صغار، في مسيرة عشوائية للبلد…الهدف بكل صراحة ما كان واضح غير أنه الناس كانت نازلة لتعبر عن غضبها على أبواب الدولة وحكومتها… في المنطقة  اللي انحرم الشعب منها لسنين…

 

هبة عفيفي: لما قامت موجة ثورية في لبنان في ٢٠١٩ كانت بتطالب بحقوق المعيشة الكريمة وبتناهض الفساد والطائفية، لكن وراء المطالب اللي كانوا الناس بيهتفوا بيها كان فيه صراع تاني بيظهر على الأرض، صراع على المساحة، على المدينة نفسها وحق سكانها في شوارعها ومبانيها وبالتحديد حقهم في منطقة وسط البلد. من بعد الحرب الأهلية وسياسات إعادة التعمير حولت وسط البلد لمكان موحش، مفيش مكان لأغلب سكان المدينة فيه، في ٢٠١٩ ولمدة قصيرة قدروا الناس يختبروا معنى إن يكون وسط البلد ملكهم ومكان بيجمعهم، بس الصراع على المدينة لا زال مستمر. أنا هبة عفيفي وده برنامج مسافات، منتجة حلقة النهاردة دينا سالم 

 

منى حرب: يعني اللا مساواة مجسّدة ب downtown بيروت لدرجة إنه إي بفهم الغضب تبع الناس إنه وقت واحد بيفوت لهونيك وأول مرة يمكن، في كتير ناس كانوا أول مرة بيفوتوا عال downtown

 

دينا سالم: هاي دكتورة منى حرب، أستاذة دراسات حضرية وسياسة في الجامعة الأمريكية في بيروت

 

منى حرب: يعني شفنا بال 2019 ناس ما بحياتنا كنّا نشوفهن، ينزلوا عالطرقات من أجيال كتير مختلفة، من أجيال أهلي ومن جيلي ومن أجيال التلاميذ اللي بنعلمهن كانوا تحت بنفس المكان

 

منى حرب: وبلّشنا نسكر الطرقات ونستولي عالأمكنة العامة بطريقة كتير عفوية وكأنه الناس خلص متفقة إنه .. إنه هيدا الشي بده يصير بدون ما يكون في أي تخطيط لدرجة إنه الناس كتير انتقدت هالعفوية

 

دينا سالم: اول ما العالم وصلت على وسط البلد، احتشدوا في ساحة رياض الصلح اللي بطل على السراي الكبير… مركز رئاسة مجلس الوزراء في لبنان… المرة الوحيدة الي الواحد بشوف فيها تجمع بهذا الحجم في وسط البلد هي بس لما يكون في مظاهرات من المجتمع المدني… غير هيك… هي عبارة عن مدينة أشباح… متحف ما بفوتو زوار… وطبعا هاي مش اول مظاهرة بتشهد عليها الحكومة هناك… اكثر من مره حركات سياسية ومدنية استخدمت وسط بيروت كمساحة للتعبير عن مطالبهم … اذا بتتذكروا حراك ٢٠١٥ الي  بلش كردة فعل ضد ازمة النفايات تحت شعار “طلعت ريحتكم” …. بس مظاهرات ٢٠١٩… الي صارت الناس تسميها بانتفاضة ٢٠١٩ كانت مختلفة عن اي اشي صار قبل في تاريخ لبنان…

 

منى حرب: قاموا الساحات وصاروا يحكوا مع بعضها، ويعني وأنا بحكيكي بيصير عنجد برجع بيصير عندي شعور بجسمي قديه كان الشعور حلو 

 

دينا سالم: آلاف من الناس نزلوا على الشارع في أكبر مدن في لبنان … وما تفهموني غلط… طبقات مختلفة انضمت في مكان واحد وبدون شك عبّرت عن توجهات ومطالب سياسية متناقضة …. منهم كانوا بنادوا لبعض وبرفضوا النظام السياسي الطائفي  وبطالبوا بإسقاط زعماء الطبقة الحاكمة ومنهم نازلين ليرفضوا سياسات الرأسمال … ومنهم بطالبوا بحكومة جديدة تحت نفس النظام… وهاي الاختلافات كملت خلال مسار الانتفاضة … بس في شي واحد كان واضح… انه المساحات والبنايات والشوارع للي كانت مقفولة لسنين وممنوع الناس تفوت عليها… اشتعلت واستيقظت لأول مرة …

 

منى حرب: وهون بنيجي على أهمية الأمكنة والساحات لأنه بالساحات قدرت الناس تنزل وتعبّر وتشوف بعضها، يعني إنت وقت بتكون قاعدة وبتشوفي إنه الناس نزلت تتعبّر عن غضب وغضب هائل يعني عم نحكي عن … عن لا مساواة بلبنان عم توصل لل levels كتير كتير عالية والناس عم تسكت عنها تسكت عنها وتقول يلا وبركي هلأ بيمشي الحال. 

وصلنا لمرحلة كان ما بقى ممكن يمشي الحال بقى

 

فراس حيدر: يعني في ناس بركي ما كانت دايمًا تفوت ع هالمحل بس بلحظتها قالت إنه هيدا الشي يللي دايمًا بشوفه، هيدي البناية يللي دايمًا بشوفها يللي كل عمري ممنوع أنا محرّمة عليي أنا بدي ادخل عليها هلأ واتعرف عليها بطريقتي، بعيوني، اسمع بركي الصدى جواتها أو بس اقدر افهم يعني بمحلات.

 

جنى نخال: لمّا بتبني مكان لفئة معينة، لطبقة معينة، أي هزّة، أي مشكل، أي أزمة بتصير بال.. على المستوى الاقتصادي بتخلّي هيدا المكان هش، وهيدا اللي صار من قبل ما تصير الانتفاضة، وسط المدينة صار مكان فاضي، ميت، ما في حركة، ما في حياة، ماتوا أغلب القهاوي، وبالتالي كمان المساحات العامة بقلبه ماتوا… دايمًا بينقلنا هيّاها مفتوحة إنه فوتوا اللي بده يفوت، بهالمعنى كان ينحكى، بس الإقصاء هو ما بيصير بس ببناء جدار… الإقصاء تحت صار بعدّة أشكال، فأنا لمّا أنا بنزل إذا بمشي بقلب هيدي الشوارع أو بروح بجرّب روح ع هيدي القهاوي وأنا بيكون أو لهجتي أو تيابي منّون، منّون كتير غاليين، أو شكلي منّو كتير مرتب بيتم فيه تمييز وفي عنصرية طبقية ضدّي، ال.. ال security رجال الأمن الموجودين هونيك إلهن حق يكبّوني برّة

 

نيما صالحة:

بده يحكي معنا الجيش معكن تصاريح تفوتوا لجوة؟

بدنا تصاريح لنفوت عالمسرح!؟

 

رجل الأمن:

لشو عم تصوروا؟

 

نيما صالحة:

ما عم نصوّر، عم نسجل أصواتنا بس

 

رجل الأمن:

تكرم عينكن، أهلًا وسهلا بالصبايا

 

نيما صالحة:

يعني هلأ فينا نفوت ولا لأ خلص بعده لأ؟

 

رجل الأمن:

اعملوا اللي بدكن اياها، حدا وقف بطريقكن؟

 

نيما صلحة:

والله ع أساس إنت بعتت حدا يطلعنا

 

رجل الأمن:

 إي صراحة أنا بعتت الشاب لحتى أعرف مين فيه جوة بس، لنعرف إذا سألونا تحت شو بدنا نحكي بس

بعدين لا سمح الله إذا صار شي

إذا حدا منكن لا سمح الله شي بنت وقعت، لحتى نشوف مين فات

 

نيما صلحة:

هو إي يعني لأ ع مسؤوليتنا يعني نحنا هاي بنعرفها، إنه ع مسؤوليتنا إذا صار شي يعني متل بالحياة كلها

كل شي بيصير بلبنان ع مسؤوليتنا يعني

 

رجل الأمن:

يقبرني اللي خلقكن، كل شي خطر بلبنان

 

نيما صلحة:

صراحة، آخر شي كنت بتوقعه إنه يجي حدا يقلنا هو ناطور المبنى ولازم نطلع لأنه منّو آمن، وهو صراحة منّو آمن، يعني الدرج نص مكسّر، الدراج كلها بتوصل لمحل وبتوقف، معلقة بالهوا، وفي جزء منه وقع وقت الثورة، يعني هي قلق إنه يموت حدا أو يوقع حدا جوّة أو يوقع شي عليه هو كتير بمحله، بس ما بعتقد حدا منّا مصدق إنه هيدا هو السبب ليش ما بدهن يانا نفوت.

 

دينا سالم: في كل عاصمة، وسط البلد مساحة شعبية ومفتوحة لجميع الناس، خاصة للطبقة العاملة… بجتمعوا فيها سكان المدينة من خلفيات وديانات وطبقات مختلفة وبتمثل قلب المدينة وروحها… بس في بيروت، وسط البلد صارت حديقة مسورة … فقاعة مخصخصة… منطقة مأمنة كثير و معسكره حتى… والدخول إليها يقتصر على طبقة معينة من المجتمع… بس ما كانت دايما هيك…

 

جنى نخال: وسط بيروت كان مكان جامع، يعني هيدا المحل اللي بينزلوا عليه، وعنّا المواد، عنّا documents، عنّا الأبحاث، عنّا الإثباتات الموجودة اللي بتفرجي كيف ناس من كل المناطق اللبنانية كانت تنزل ومن خارج لبنان يعني عم نحكي من.. من بلاد الشام كلها، من الأردن، من مصر كمان حتى، من فلسطين، من سوريا… عم بحكي قبل الحرب …. نحنا فينا نشوف إنه كان في مقاهي، كان في أوتيلات صغيرة، هيدي واحدة من أكتر الأشياء الحلوة اللي فينا نكتشفها، إنه كان في أوتيلات صغيرة كان اسمها بانسيونات أو كمان كان اسمها لوكندا اللي هي الكلمة التركية، اللي هي أوتيلات صغيرة يجوا عليها لمّا اللي بده يسافر أو بدها تسافر من منطقة لمنطقة مضطرة أو على بيروت لحتى تاني نهار مثلًا عندهن شغل، ولا عندهن بد… يعني بمعنى بدهن يبقوا أكتر من نهار

 

هبة عفيفي: ازاي اتحولت المنطقة دي، اللي كانت في يوم من الأيام منبع للحياة الاجتماعية (ووحدة من أكبر نقاط العبور في المنطقة) في المدينة لمساحة منعزلة وفارغة. لازم نرجع بالتاريخ شوية عشان نفهم. في فترة الحرب الأهلية اللي بدأت في ١٩٧٥، تحولت وسط البلد لخط تماس، قسم المدينة بين بيروت الغربية والشرقية. بعد ما انتهت الحرب في ١٩٩٠، بدأت فئات مختلفة تقترح خطط لإعادة إعمار المدينة وتصليح دمار الحرب، وفي الوقت ده ظهر مشروع رفيق الحريري مع شركة سوليدير

 

منى حرب: وكان على أساس إنه رح يصير في حلم.. سلم بالمنطقة، وإجا مشروع الحريري ضمن هال.. هالمعادلة إنه بيروت ترجع تصير مدينة بالمحيط العربي، تخدم المحيط العربي وبشكل خاص الرأسمال الخليجي والسعودي… وتصير هي نوع من مدينة بيقدروا يجوا عليها الرسمال العربي والرسمال اللبناني اللي diaspora تبع المغتربين

بقى كان عامل رهن إنه هيدا ال… هيدا الرسمال بيقدر يرجع يعمّر بيروت، وسط بيروت. وكتير ناس آمنوا بهالرهان ورجعوا على لبنان وآمنوا بمشروع رفيق الحريري، واللي ضمنهم كان سوليدير مشروع رائد يعني، وأسس لهالشي تا يقدر يعملوا بسرعة شركة عقارية استملكت كل الوسط التجاري، يعني أخدت الأرض من أصحابها يعني بمقابل سعر زهيد جدًا … صار في كتير معارضة لهيدا المشروع من قبل مجتمع مدني كان من وقتها عم بيحكي بحقوق المدينة وبالذاكرة وبإنه كيف ما بدنا نحنا شركة عقارية تستولي على الوسط التجاري …وتخلق يعني.. وتخلق يعني ملكية خاصة بمكان كان في أماكن عامة وكان هو بحد ذاته يعني الشارع كان ملك…

 

دينا سالم: الوقفة المضادة من المجتمع المدني، الي لليوم مستمرة، ما قدرت توقف هذا المشروع … وفي هذا الإطار صارت وسط البلد ملك لسوليدير، اختصار ل “الجمعية اللبنانية لتطوير وإعادة إعمار بيروت”، شركة عقارية بتدمج بين القطاعين العام والخاص أسسها رجل الأعمال الملياردير رفيق الحريري، الي صار بعدين رئيس وزراء لبنان…. تحت هاي الخطة…  مُنحت سوليدير ملكية 291.800 متر مربع من الأراضي للتطوير في عام ١٩٩٤ الي اعطاها قوة لتتحكم بوسط البلد كأنها اقطاعية صغيرة … وفورا عملت الشركة مخطط رئيسي ضخم… غيرت فيه البنية التحتية لوسط البلد والمدينة كلها…

 

جنى نخال: وقررت إنها ت.. تعيد مش بس إعمار وسط المدينة، وإنما تعيد صياغة وكتابة تاريخ هيدي المدينة، 

 

منى حرب: وتقسم كل وسط بيروت من المدينة، هيدا يمكن من أهم الإشيا اللي ما كتير بينحكى عنها إنه تعمّر طرقات حول الوسط بيروت فصلتها من الإحيا المتوازية فيها، يعني خلّت الوسط تصير جزيرة، يعني مقصية تمامًا من باقي المدينة وموصولة بالمطار بأوتوستراد سريع، وبتجذّر هيدي ال vision تبعيته لرفيق الحريري إنه واحد بيجي من المطار بيطلع بالسيارة بيروح بال downtown ب 10 دقايق بيعمل بزنس تبعه الصبح وبيسافر عشية بيرجع على محل ما بده

 

دينا سالم: تم تعويض المقيمين الأصليين في وسط البلد وأصحاب الأعمال بأسهم في  شركة سوليدير بدل من مبلغ مادي… طبعا قيمة الأسهم ابدا ما بتوازن قيمة الأرض وأملاك الناس…  و كان للمالكين خيار الاحتفاظ بممتلكاتهم وإعادة الأسهم بس بشرط انه يكون عندهم أموال كافية لترميم مبانيهم بطريقة بتتماشى مع خطة إعادة البناء الصارمة  تبعت سوليدير والمعايير العالية الي حددتها… واكيد الأكثرية ما قدروا يلبوا هاي الشروط…

 

جنى نخال: أقصت أهل المدينة مش بس متل ما حكينا بالخطاب وبال.. بالإعمار بحد ذاتهن، بل ب.. بالقرار يعني لمّا تم هيدا القرار ما تم بشكل تشاركي مع الناس، بالعكس هو أقصى الناس، هو رفض يسمع آراء الناس، بوقتها صار في كتير قمع لحركات المقاومة والاعتراض على مشروع سوليدير… ف هيدا بكل أشكال يُعتبر إقصاء، فهو إذًا كان إقصاء سياسي وبعد ما تم الإعمار صار عنّا إقصاء مكاني بالحقيقة، حقيقة يعني، بمعنى إنه الفقراء والمهمّشين واللاجئين وكل أهل المناطق ممنوع يكونوا يفوتوا على وسط المدينة.

 

دينا سالم: مشروع سوليدير دمر عدد مهول من المباني في هذا الوقت …. عدد اكبر من المباني اللي تدمرت بسبب الحرب في وسط البلد… واختفت أحياء شعبية وتراثية بأكملها… وبطلت البلد البلد… صارت ال downtown… منطقة فاخرة وين كل شجرة وضوء شارع وحجر محطوط في موقع مثالي ليتناسب مع رؤية الحريري ليوتوبيا بتخدم الرأسمالية… اليوم… وتقريبا بعد ٣٠ سنة من لما بلش المشروع ومع عشرات المليارات من الدولارات لتدعمه ، خطة سوليدير لبناء “أفضل مركز مدينة في الشرق الأوسط” لساتها بتتكمل…

 

فراس حيدر: ف البلد لإلنا هي أكتر كانت متل ذكرى لشي نحنا ما عشناه كجيل 

 

دينا سالم: فراس عمره ٢٦ سنة وجيله بس بيعرف شكل واحد لوسط البلد، الشكل الذي بنته سوليدير…

 

فراس حيدر:  فأكتر كنّا عم نجرّب نتذكر إنه هيدا بيوم من الأيام كانت مساحة عامة، كانت تنزل… كان ينزل الشعب والطبقة العاملة يقعدوا فيها ويتبضعوا ويعيشوا حياتهن بلا ما يتضطروا يعني يدفعوا كبدهن على الموضوع يعني. ف لإلي شخصيًا كانت أكتر بس إنه ذكرى عم بجرّب احترمها بس أنا شخصيًا ما عشتها

 

دينا سالم: اذا اي شخص بفوت على وسط بيروت… رح يلفت نظره أشياء معينة… الجو المقفر والهادئ، والإحساس بأنك خرجت من المدينة إلى منطقة جديدة… رجال أمن في كل مكان…مزيج غريب من التصميم الحضري الي بحاول يدمج الطراز الفرنسي الاستعماري مع الطراز الشرقي… مباني قديمة وآثار تاريخية في محاولة للحفاظ عليها بطريقة لا تمت بصلة لمجدها الأصلي… ناطحات سحاب وبنايات مليئة بالاندفاعات المبهرجة من المهندسين المعماريين المشهورين الي صمموها ….شكلها ما بختلف عن اي مدينة اوروبية… بس كمان الي بلفت النظر هو العدد القليل من المباني المهجورة المحوطة بأسياج وحيطان خشب…. هذه البنايات مبينة لكنها مش داخلة ولا مندمجة مع محيطها… بتحمل آثار ١٥ سنة من حرب أهلية مر فيها لبنان … بنايات هيكلها ممزق بعلامات الرصاص والقذائف….  جالسة بمحلها كآثار محاطة بضباب من الغموض وعلقانة بالزمن…دون أي علامات على أي محاولة لإعادة ترميمها أو بنائها

 

منى حرب: المدينة كتير فيها هالأماكن ال militarized وكتير منّ هنّي أماكن مهجورة، يعني أماكن كان تلعب دور أو بالحرب الأهلية أو بعد الحرب الأهلية عم فكّر أنا وعم بحكيكي بكتير أماكن وقت الاحتلال السوري كان بلبنان كل الأمكنة اللي كانوا يعذبوا فيها يعني يلقطوا فيها الناس ويعذبوهن فيها 

 

دينا سالم: منى عم تحكي عن الاحتلال السوري للبنان من ١٩٧٦- ٢٠٠٥ 

 

منى حرب: هول المباني كمان آخذها الجيش ومسكرها، وهنّي كمان معالم في واحدة اعتبرها تاريخية لأنه يعني بتلحظ عن تاريخ معين، بقى كتير صعب تفوتي عليها

 

جنى نخال: وللأسف هيدا لنرجع لفكرة إنه سياسة الدولة بتخطيط الأراضي وبتطويرها هو دعم السوق العقاري، ودعم المضاربات والسماح بالمضاربات، يعني أنا هلأ ما عندي.. مش إنه الناس منّا عارفة شو بدها تعمل بهالمباني، الناس أو الشركات الكبرى عم بتضلها تبيع وتشتري وتعمل مضاربات بهيدي المباني لحتى تضل تاخد سعر أعلى، وبالآخر تعمل project يا إما تطورها، تدمرها، إلخ.. ف تحويل الأرض لسلعة هو اللي حوّل حاليًا هيدي المباني لمباني فارغة.

 

دينا سالم: نتيجة خطة سوليدير كان نوع من محو الذاكرة من خلال سياسة الردم والإقصاء…. ذاكرة الحرب… ذاكرة المدينة وسكانها… ذاكرة كل اشي حاليا ما بخدم رأس المال… وبالتالي… خلق شعور نسيان جماعي في محل لسا جروح الحرب مفتوحة فيه… 

 

منى حرب: نحنا ما صار عنّا بلبنان اللي بنسمّيه transitional justice يعني نحنا ما قعدنا مع بعض وقلنا شو صار بالحرب، خلينا نحنا نحكي بأسباب الحرب، نتعلم من الحرب ونرجع نبني يعني بلد جديد على أسس اجتماعية جديدة يعني أمرا الحرب رجعوا قعدوا مع بعض بالبرلمان شلحوا تياب الحرب ولبسوا تياب مدني وفاتوا عالبرلمان وبعدهن لهلأ عم بيحكمونا… دمار أثر الحرب منّو دمار اعتباطي، يعني دمار .. يعني استعملت كلمة ممنهج، بدنا نحنا نمحّي ذكرى الحرب، وهلأ مثلًا إذا بتشوفي شو عم بيصير من بعد انفجار بيروت، انفجار البور، فيه عنّا هونيك كمان السايلوس تبع البار، مبنى تعمّر بالستينات، بعده قايم وهو ذكرى لهالإنفجار، هلأ عم بينحكى إنه بدنا ندمّر السايلوس تبع المرفأ، وقايمين عليه الجمعيات تبع أهالي ال.. الشهدا اللي توفوا بالانفجار تبع البور اللي استشهدوا بالانفجار…

هبة عفيفي: الأسبوع ده، بيعيش أهل بيروت واللبنانيين في كل مكان الذكرى التانية لانفجار ٤ آب، لما فجأة ولعت حريقة في ميناء بيروت أدت لانفجار مهول نزل بموجة من الدمار على المدينة وأهلها. مات في الانفجار ٢١٨ شخص غير الآلاف غيرهم اللي اتصابوا أو فقدوا بيوتهم وأصبحوا بيواجهوا مستقبل مخيف ومجهول. أحياء قديمة وتاريخية كاملة اتدمرت، وسكانها اللي أغلبهم من الطبقة العاملة اتسابوا من غير أي وسيلة يقدروا بيها يعيدوا بناء بيوتهم وحياتهم. حدث كارثي لسه آثاره محسوسة وحية في أنحاء المدينة وحياة سكانها، رجع صور الحرب والدمار لذاكرة اللبنانيين، واتعاملت الدولة معاه، تماماً زي ما اتعاملت مع آثار الحرب. 

جنى نخال: بس الممارسة هي ذاتها لإخفاء الذاكرة، بإطار إدارة الأراضي نحنا بدنا نفرجي صورة واحدة، نحنا بدنا نفرجي صورة ملمّعة ومنضفة مرتبة للمدينة، للسياحة ف إنه خلينا نشيل هيدا الشي، نضبضب هالوسخ، نضبضب هالدمار، نمحي هالسايلون لأنه إذا بتمرقي من هونيك غراوندير كبر وحجم السايلوز بحد ذاتهن الأهراءات وحجم الانهيار وحجم الدمار والتفجير اللي صار السايلوز هني أو الاهراءات هنّي كتير معبرين…

 

دينا سالم: سياسة الردم والنسيان تنطبق على المرفأ كمان… الحكومة اللبنانية عم تعرقل محاولات التحقيق في الحادثة وبتخطط لإزالة آثار موقع الانفجار قبل ما يتحاسبوا المسؤولين عنه… 

 

جنى نخال: الدولة أصدرت قانون يُعنى بالمناطق المتضررة من تفجير المرفأ، بس الدولة قررت إنه ما بتهمها هالمناطق. في كمان إنه هيدا القانون بيسمح لشركات خاصة الكبرى ولسوليدير بإنه هي تقدر تبيع وتشتري وتطوّر بهيدي البيوت بأصعب وقت … يعني بالوقت اللي الناس ما بقى عندها شي ف الناس بتصير مستعدة تبيع

 

هبة عفيفي: بعد الفاصل، بعض بنايات فترة الحرب باقية رغم كل محاولات المحو…نكمل مع  دكتورة منى حرب، أستاذة الدراسات الحضرية والسياسة

 

منى حرب: إذا إنت ما بدك تحافظي على .. على الإرث الحضري اللي تهدّم كمان بتكوني عم تمحي هيدي الذاكرة والناس بتمحي حرب إنت مرقتي فيها مدة 15 سنة… بقى هول البنايات اللي فضّلوا لأنه ما قدروا.. ما قدرنا نهدّمهن، لأنه هيدي السلطة والنظام ما قدرت تهدّمهن they are very interesting traces of the war، باقيين كأنه رغم كل شي بعدهن قايمين بالبناية، بالمدينة سوري.

 

دينا سالم: على الرغم من الجهود لإخفاء ذكرى الحرب، في آثار لساتها قائمة … منهم اوتيل الهوليداي ان الي كان في يوم من الايام مكان فخم  … بعد سنتين من افتتاحه في السبعينات … صار الفندق جزءًا من معركة كبيرة أطلق عليها اسم “حرب الفنادق”… وحشدت حوالي 25000 مقاتل من الجوانب الحربية… المعركة هاي قتلت أكثر من 1000 شخص وأدت إلى إصابة 2000… اليوم الفندق واقف بمحله مع كل جراحه وقصصه…

 

منى حرب: وعنّا نحنا كمان قانون بيخلّي إنه الملك الخاص هو ملك سيكريد يٌعتبر، إنه هيدا… إنه ما حدا مفروض يدق فيه بقى، ما عنّا دولة بتستملك، يعني ما إجت الدولة وقالت أنا رح استملك الهوليدي إن ومثلًا هدمه واعمل شي تاني، أو رح استملك الهوليدي إن ورمّمه واعمله أوتيل من أول وجديد

 

الي بتوصفه منى هو قانون بخلق طريق مسدود، يعني كثير صعب على الدولة أنها تمس بالأملاك الخاصة حتى لو كانت مهجورة ومش مستخدمة لسنين… ومثل  كثير من المباني الي لاقت نفس المصير عالق فندق الهوليداي ان في مأزق قانوني بعرقل أي خطة هدم او إعادة إعمار… فتحول لقاعدة عسكرية… او بالأحرى ساحة انتظار للمركبات العسكرية الراكدة… بنص البلد التجاري… بس في سياق سياسة تسليع الأرض… كثير صعب نتخيل طرق لاعادة بناء واستخدام هاي البنايات بطريقة تخدم المجتمع واحتياجاته لأن أصحاب رأس المال رح يعطوا أولوية لتراكم الارباح… 

 

فراس حيدر: ما فينا نيجي نقول مع هالتناقض إنه فينا نخلق هيدا الشي ف هيدي المساحة يللي كان مفروض تكون عامة وللشعب رح تصير مساحة للي قادر يدفع 10 آلاف أو 20 ألف أو 300 ألف، شو ما كان سعر الدخول، وأول ما نحط تسعيرة معينة ع هالأمكنة بتبطل للشعب، بتبطل للطبقة العاملة، بتبطل لأغلبية الناس،

 

دينا سالم: في بداية المظاهرات في ٢٠١٩… اول اشي عملته الناس انها اقتحمت بنايات مشابهة للهوليدي ان… خاصة البنايات الموجودة في قلب وسط البلد… اولهم كان مسرح الgrand theatre الي افتتح في عام 1929 واستضاف حفلات كبيرة للراحل عبد الوهاب وأم كلثوم… بقولوا انه في ايام الحرب تحول المسرح إلى سينما بتعرض مواد إباحية لعناصر الميليشيات التي احتلته… وبعد الحرب تسكر المسرح وانترك ليذبل شوي شوي مع مرور الزمن…في إطار مخطط سوليدير ، تم تجديد الحيطان الخارجية ودهنهم كوهم لعظمته، ولكن من الداخل المسرح كان متعفن… وجدرانه بتتقشر وبتتكسر واصوات الفنانين العظماء الي ادوه فيه بتطارد أجواءه… ولما الناس فاتت لأول مرة في ٢٠١٩… ورفرفت الأعلام من شبابيكه… صار المسرح جزء من المساحات الي تم استرجاعها…

 

منى حرب: يعني كأنه انفات عالبناية بالقوة ضمن هيدا ال spirit تبع الثورة اللي اس.. يعني ال spirit الثورجي اللي كان إنه أنا بدي ارجع استولي ع هالأمكنة، في كتير ناس نزلوا وقتها عالثورة وكان بدهم يتعرّفوا عالأمكنة…

 

فرح خوري: كانت أول مرة بننتبه إنه فيه مبنى هون، وهيدا المبنى خرج إنه نحنا نعرف شو ماضيه، شو كان، كيف كان مأثر ع حياتنا، حياة أهلنا! 

 

نيما صالحة: أم كلثوم ما بتغني إلا إلكن، كمان مكتوبة عالحيط.

 

نيما صالحة: أوك، تعي تعي شوي، هون كان مكتوب بدنا علم وخبز ومسرح، بتتذكريها؟ محل ما مخربطينها، في حدا ممحيها بالأسود، بس أنا بتذكرها لمّا أنا جيت صورتها، بوقتها حسيت إنه هالجملة ما بعرف! إنه غير عن الشعارات اللي مكتوبة على كل الحيطان، لأنه المسرح، تحديدًا هيدا المسرح ما كان موجود قبل الثورة، يعني ما كان موجود براسي، متل كتير اشيا ب downtown ع فكرة وكتير إشيا ببيروت، لأنه أنا سائبت إنه أول سنة جامعة بنزل فيها على بيروت هي 2019 سنة اللي بلشوا فيها المظاهرات، فكل شي تعرفت عليه ببيروت لأول مرّة، فكل شي تعرفت عليه ببيروت لأول مرة تعرفت عليه بهيدا الجو، بجو العجقة والمظاهرات والاعتصامات والصريخ والأغاني واليافطات…ف هيدي أول صورة انطبعت براسي، ف كتير غريب إنه هلأ شوف المحل فاضي!! الأغرب حتى إنه يجي حدا يشحطني!

 

دينا سالم: كمان وحدة من هدول البنايات معروفة عند سكان المدينة باسم البيضة… مبنى أسمنت وحشي مرفوع عن الأرض بأعمدة خرسانية…. كثير بقولوا يشبه سفينة الفضاء لان شكله مستدير و بيضاوي من جهة ومسطّح من الجهة الثانية… مثل البيضة المقسومة بالنص… هذا المجسم الضخم يعد جزء من مبنى أكبر كان اسمه “السيتي سنتر” من تصميم المهندس اللبناني جوزف فيليب كرم، الذي قرر يشيد مبنى ضخم بضم خمس طبقات تحت الأرض ليكون أول “مول” في الشرق الأوسط في عام ١٩٦٥… والبيضة صمّمت على اساس انها تكون سينما ومسرح بتقدر تحوي 1000 مقعد…

 

دينا سالم: توقف بناء البيضة لما بلشت الحرب الأهلية … والي كان مفروض يكون سينما ومسرح ثقافي.. صار هيكل فاضي نص مكتمل وواقع بالزبط على خط التماس…. فطول فترة الحرب، تحولت البيضة لمركز للقنص والقتل… ومن بعدها… وقعت البيضة في المنطقة الي صارت تحت سيطرة سوليدير، وتسكرت وتحوطت بحيطان معمولة من خشب… ممنوع الدخول عليها ووجودها بس بنحكى فيه كوحدة من معالم المدينة الي الناس بطلت حتى تنتبه عليها…  غرقانة بسياسة محي الذاكرة…

 

دينا سالم: لكن في ٢٠١٩… ولفترة قصيرة… تغير هذا الشي… وصارت البيضة من ضمن الساحات التي رجع فيها حياة….

 

فراس حيدر: السياج كان معمول من خشب أو من كرتون قاسي، فما كان صعب كسره، بس كان في النيّة إنه ينكسر، فالعنف بلحظتها بوقتها كان إنه في هيدا الشي بوجهي يللي عم بيوقف بيني وبين شي أنا بدي اياه أو أنا … بيني وبين مبنى أنا بدي ادخله، والطريقة الوحيدة لإلي إنه ادخله هو اكسر هيدا الحيط أو هيدا السياج، 

 

دينا سالم: وصف فراس للعنف والغضب دقيق كثير…. بتذكر المنظر كأنه كان مبارح… شباب وبنات بكسروا وبفككوا الجدران اللي حولين البيضة بدون خوف او تردد … فوضى عائمة … كنت واقفة مع مجموعة ناس بالمساحة المقابلة للبيضة اللي تحولت إلى مصف سيارات تحت خطة إعادة البناء تبعت سوليدير… ومن جهة في ناس عم تحرق عجال سيارات وناس لابسة اقنعة على مطورات بتلف وبتدور حولنا وناس عم بتفوت على البيضة… الشرطة واجهزة مكافحة الشغب كانوا بس واقفين على جنب… بستنوا أمر قبل ما يتدخلوا… بس كان في اشي ما كنا مستوعبينه في هذاك اليوم… إنه العنف والغضب الي عبرت عنه الناس في هذيك اللحظات كان بداية لشيء اكبر …

 

فراس حيدر: عنجد تم الاحتلال لهالمباني، وبوقتها صارت العالم تفوت عليهن بشكل يومي يعني وتعمل شغلها فيهن، يا كان بدها ترتاح يا كان بدها تتظاهر يا كان بدّها بمحلات إنه يتحدثوا ويتنظموا عن كيف بدهن يعملوا تظاهرتهن الليلة

 

دينا سالم: البيضة كمان صارت مساحة استراتيجية لمجموعات معينة، اكثريتهم طلاب وشباب … للاستراحة، للحماية و التخباية من اجهزة امن الدولة وعنفها و قمعها للمظاهرات… وفعليا انا وكثير طلاب جامعة قضينا كثير وقت في قلبها لأنها كمان تحولت لمساحة للتعبير لكثير من الشباب…يعني بتذكر في يوم من الأيام في مجموعة صغيرة عرضوا افلام محلية على شاشة صغيرة … ومرة ثانية سمعت عن حفلة صارت في البيضة مع عشرات من الناس بترقص داخل المبنى في ساعات متأخرة في الليل… 

 

فراس حيدر: يعني الفوتة بحد ذاتها كانت هي الهدف، لمّا فتنا عليهن وبس قدرنا نتمشى فيهن، يعني اوصل أنا بعد نهار من إنه نكون عم نهرب من الغاز المسيل للدموع، أو بعد نهار نكون عم نهرب من مكافحة الشغب، إجي الصبح أو بعد الضهر فوت على ال grand theatre أو عال egg، وبس أقعد هونيك أنا وعم بحضّر حالي نفسيًا للمواجهة الجاية بالليل، كان شعور حلو لأنه كان فينا نحنا ب… يعني by own terms يعني نقرر أمتين بدنا نفوت وأمتين بدنا نطلع وشو بدنا نعمل جوة. 

 

دينا سالم: صار مفهوم الملكية الخاصة اشي هش وما وقف الناس من دخولها على البيضة… وبيوم وليلة تحول قالب هالبناية من مكان مهجور وموحش… لمكان بجمع ناس… ليتحدثوا، يتناقشوا ويتشاوروا … و اساتذة الجامعة بلشوا يدرسوا حصصهم جواتها…  وحيطان البناية صاروا لوحة فنية مليانة رسومات ونصوص وغرافيتي… حتى انه الناس وصلت لأعلى نقطة في البناية و تسلقوا على درج قديم ومصدي ليوصلوا فوق على سطحها المدور الي بطل على وسط البلد بأكمله… وكمان على البحر… 

 

فراس حيدر: صار لمّا يكون في حشود بقلب عالأرض مش عم بيساعدوا بقلب الساحة كان في عالم تطلع ع هالمباني وتتظاهر من هالمباني أو ترسم غرافيتي ع هالمباني أو تطلّع شعلة تا تعمل فلير ع هالمباني، ف صاروا هنّي كمان جزء من هال…من هالحراك، صاروا جزء من هال… صاروا معالم بنقدر نحنا أول شي نلتقي عندها

 

نيما صلحة: في كتير رسائل حب على حيطان ال egg. عم اتخيل إنه هول ناس كمان اكتشفوا المحل لأول مرة بهالوقت، وانطبعت بذاكرتهن صورة عن المحل، عن ال experience اللي صارت معهن هون، عن التجربة اللي صارت معهن هون، إن كان إنه عملوا مشكل أو طلعوا بشعار جديد أو رسموا يافطة، أو إنه باسوا حدا. في شي صار هون بالمحل لأول مرّة اللي هو مفروض إنه مكان عام للكل، وانطبع بذاكرتهن وهلأ بطّل عندهن… بطل إلهن وصول عليه…حاسة فعليًا الشي الوحيد يللي بيأكدلي إنه هول الذكريات يللي براسي مش أنا اخترعتهن هو القصص اللي عالحيطان. أوك شفتي السور؟ حواليها كلها في سور أخضر حديد حوالين the egg، يعني ما في ربع سم يقدر حدا يتسلل منها لجوّة، إنه بتذكر وقت المظاهرات كمان كانت مسيّجة بس بغير سياج، وبواحدة من الليالي كسّروا السياج من محل معين، وصار كل حدا بيجي لهون بيعرف بالزبط وين مكسور السياج لحتى يفوت عليها، وهلأ ما في محل مكسور. في كتير رسائل حب على حيطان ال egg.

 

منى حرب: هو أنا يمكن بسمّيه أكتر غاريلا urbanism لأنه الطريقة اللي انأخدت فيها البيضة كانت استولا متل ما قلتي يعني كانت really بتحسي إنه هول ناس في عندهن نبض إنه بدهن ياخدوه لهالمكان ويسترجعوه وقعدوا فيه وصار إنه صاروا يلونوه ويكتبوا عليه وعملوا حفلات فيه وصاروا ينظموا يعني هيك دورات فيه يعني نقاشات وسينما حتى استعملوه، يعني استعم…

 

دينا سالم: الغوريللا urbanism الي بتوصفها منى هي أنشطة غير منظمة، وغير متوقعة أو مصرحة بعملوها ناشطين في مساحات حضرية… كمثال البيع الغير مصرح فيه في الشوارع، الكتابة على الجدران، البستنة في مساحات عامة والعيش في بنايات مهجورة ومسكرة… 

 

منى حرب: بقى هيدا نوع من غاريلا urbanism اللي هو يعني أنا بتمنى يكون موجود كتير أكتر بالمدينة، والناس تكون كتير قدرانة أكتر تستولي ع أمكنة عامة أو أمكنة متروكة فيها تستولي عليها ما عم بيصير فيها شي، وينعمل أكتر هالنوع من السكواتنج، الغاريلا urbanism اللي الناس تتطالب بحقوقها بالمدينة كتير أكتر.

 

دينا سالم: بس الموضوع صار اكبر من البيضة ومسرح الgrand theatre وهاي البنايات المهجورة… الشوارع والساحات كلها انتعشت وتحركت من ورا وجود الناس… وشوي شوي مع تقدم احداث ٢٠١٩ لإنتفاضة شعبية… الساحات المحيطة بالبيضة بلشت تشبه وسط البلد القديم… مع اسواق واكشاك وخيم بتوزع او بتبيع اكل على العالم و بتحوي نقاشات سياسية واجتماعية في كل زاوية… ويوتوبيا الرأسمال الي تصورها الحريري اندفنت تحت صوت الناس وإعادة تشكيلهم لهذه المساحة إلى شيء يمكن أن يخدم الجميع…

 

منى حرب: بفترة جمعة أو جمعتين صار في خيم والناس عم تقدر تحكي مع بعض وتعمل حلقات نقاش، وقّفنا نعلّم بالجامعات صرنا نعلّم بالساحة، يعني نزّلنا صفوفنا وتلاميذنا كلنا ع الساحات بشكل كتير عفوي… بقى هيدا الشي كتير بيعطي روح وأمل إنه الناس بدها تقعد مع بعض، بدها تتعرّف ع بعض، بدها تتواصل مع بعضها وتحكي مع بعضها وهي يعني من الحرب الأهلية ومن بعد الحرب الأهلية ما صار في سياسات تا تقرّب الناس عن بعض، ما صار في أي سياسات تجمع الناس، بالعكس، يعني كرّست الإقصاء اللي صار بالحرب الأهلية وال… وال divisions اللي صاروا بالحرب الأهلية بسياسات إعادة الإعمار وبسياسات المدنية بشكل عام يعني.

 

دينا سالم: في أي حركة شعبية غير منظمة في اختلاف بالمصالح والمطالب … وطبيعي كمان يكون في هناك خلاف حول كيفية تنفيذ أساليب المقاومة… ما بدي اوحي لكم أنه كان هناك اتفاق كبير حول كيف الناس استخدمت هذه المساحات والمباني واذا عن جد هي كانت بتفيد الأهداف السياسية للمتظاهرين كلهم… فعليا.. كان في احتجاج من فئات من المتظاهرين الي انتقدوا الوجود الاكاديمي في مساحات ثورية… وبعد هاي الأنشطة الي بتقتصرعلى طبقة معينة… اكثريتهم طلاب من جامعات خاصة… عن الأهداف العملية الي الشعب بطالب فيها…

 

جنى نخال: تحوّلت البيضة بحد ذاتها لمكان للنقاش، بس للأسف كان مكان شوي يعني مختلف عن الآخرين، فكان شوي elites، كان شوي نخبوي. بس هيدا الشي ما بيمنع إنه كل هيدي الأمكنة مع بعضها شكّلت بمجموعها أمكنة متنوعة وأمكنة مفتوحة لكل الناس إذا بدك من كل المناطق تقدر تنزل وتكون عم تتفاعل، تكون عم تحكي… عادة المساحات العامة هي المكان الأساسي للحراك السياسي لأنه العالم ما بتتظاهر بالمباني ولا بتتظاهر ببيوتها، ف الحركة السياسية شكلها المكاني بيكون بالساحات العامة…بالانتفاضة من أجمل ما شفناه ومن أجمل شي أنا شفته لأنه خاصة أنا من الليسانس بشتغل على المساحات العامة، كانت أول مرة بنشوف تحركات ب(هالطبيعة). ف ما بنسى المناظر، ما بنسى الناس قاعدين من كل المناطق عم يستخدموا المكان متل ما هنّي بدهم، مبسّطين، جايبين كراسي، عم بيأرجلوا، قاعدين عم بيتحدثوا، عم يلعبوا ورق، تحوّل لمكان اكتشفنا إنه الناس بحاجة لإله.

 

دينا سالم: مثل ما قالت جنى … وضحت احداث ٢٠١٩ أنه في حاجة ماسة لمساحات عامة بقدروا الناس يجتمعوا مع بعض فيها بحرية تامة… بيروت مدينة ساحلية… لكن البحر ملك خاص… هي مدينة مليانة عائلات وشباب… لكن المساحة الإجمالية للمتنزهات والحدائق هي أقل من 1 متر مربع لكل مقيم… وبالحقيقة انه هذا بخلق شعور بالخنقة والنقص… وبجبر الناس على تبني طرق غير تقليدية ليخلقوا محل لأنفسهم … و أهمية ٢٠١٩ هي أنها بكل معنى الكلمة خلت الناس تتخيل حياة بديلة في مدينتهم وخلقت نوع من الملكية الجماعية مش بس عالبنايات بس كمان على الشوارع وكل المساحات… ومش بس اللبنانية، لكن كمان العمال المهاجرين واللاجئين الي عايشين في المدينة كمان…

 

فراس حيدر: بوقتها لأول مرة حسيت إنه في عندي علاقة مع هالمدينة بتتخطى بس أصولي أو إنه وجودي بهالمدينة كل حياتي، بوقتها حسيت إنه أنا عم بكتب تاريخ معين بلحظتها بركي ما يكون هو التاريخ يللي بيغير البلد، بس بلحظتها أنا نزلت على الشارع وبنيت علاقة مع المدينة 

 

جنى نخال: بتذكر إنه أول مرة بنتعاطى مع ناس جايين من خلفيات طبقية مختلفة، من خلفيات ثقافية وطائفية وحزبية مختلفة، انفتح نقاش حقيقي لمسائلة عنجد نحنا وين، وعنجد وين صرنا وعنجد شو هي حقوقنا، لدرجة إنه في نقاشات أنا ما كنت بتخيّل إنه هلأ وقتها إنه قول يعني الناس هلق مش .. مش رح يهمّها تفتح موضوع النقل العام، في عندنا أولويات، بس كانت تنفتح لأنه هالقد الناس بوقتها كان في عطش كتير كبير للحقوق علّت سقف المطالبات لمستوى ولا مرّة شاهدناه بلبنان من بعد الحرب الأهلية 

 

هبة عفيفي: انتفاضة لبنان كملت لمدة شهور، كان بيزيد فيهم عنف الدولة وأجهزتها الآمنية كل يوم في كل المدن اللي كان فيها حراك، وواجه المتظاهرين صعوبة في التنظيم في ظل الفروقات السياسية والطبقية اللي بينهم، في  نفس الوقت كان الوضع الاقتصادي مستمر في التدهور ووصل انهيار الليرة لمرحلة أزمة حقيقية، فوق كل ده كان العالم كله بيواجه وباء كورونا وبحجة السلامة العامة حولت الحكومة وسط البلد لمنطقة عسكرية مؤمنة. بسبب كل ده، كان صعب إن الحراك الثوري يكمل ورجعت الدولة استحوذت تاني  على كل المساحات اللي اكتسبها الناس في الشهور اللي فاتت 

 

دينا سالم: الخيم تفككت… ومثل ما سمعتوا من تسجيل نيما… البنايات رجعت تسكرت والحيطان الخشبية نبنت كمان مرة…وصدى أحداث ٢٠١٩ صار طاغي على المنطقة… شعور غريب من الوحشة والاغتراب استولى على المدينة ورجع يحوط وسط البلد …. وامل انه ترجع المدينة لسكانها وتخدم الطبقة العاملة تبدد من مخيلة الناس …

 

فراس حيدر: لمّا .. لمّا استردينا هيدا الشارع صار نحنا بوقتها كل خطوة عم نخطيها وكل شغلة عم نعملها هي جزء من تاريخنا الشخصي وعلاقتنا الشخصية مع بيروت… بس فيني قول إنه مع هلأ رجعنا فعليًا رجعنا خسرنا هالأماكن العامة لأن بطّلنا عالشارع وبطلنا عم نقدر ندخل عال egg بنفس الشكل أو عال grand theatre، مع إنه صار يعني صار هالتابوه أو صار هالشي المحرّم ما بيخوّفنا بقى، يعني اليوم أكيد إذا حدا ناوي يفوت بيقدر يفوت وبطّل يخاف متل ما كان يخاف قبل، بس مع إنه هالمساحات بطّلت لإلنا متل ما كانت لإلنا بوقت المظاهرات بوقت الثورة بعدها علاقتنا فيها علاقة هيك شوي مكينة…صرنا نتذكر كل زاروب اتخبينا فيه، صرنا نتذكر وين الحجار، صرنا لمّا نتطلع على مثلًا أسواق بيروت نتذكر إنه هيدا البلاط يللي الناس كسّرته تتكب حجر على مكافحة الشغب … وطالما السطو على بيروت وعلى وسط المدينة بعده قائم وبعده بكامل عزه يعني فينا نقول حتى، لكان ولا مساحة عامة بقلب بيروت رح تكون لإلنا. يا بدنا نسترجع كل البلد ويا بدنا عنجد نغيّر كل هالنظام الموجود، يا بدنا نيجي نقول إنه ما في شي رح يكون لإلنا

 

نيما صالحة: ما بعرف! this is so depressing يعني! مع إنه مش أول مرّة بيجي بمشي هون بعد المظاهرات، بس أول مرة يمكن لأنه عم حاول فكر بشي قوله وما عم يطلع معي شي، عم حس إنه كل العالم تخطت، يعني هيدا المكان بطّل إله هيدي الطبعة براس الناس موجودة، وفكرة إنه أنا بعدني محل علقانة هونيك حزينة! 

 

فرح خوري:  عم تتخيلي إنه مثلًا بفترة الثورة إذا إنت كنت عم بتجربي تفوتي على the egg بحيلّا طريقة ما حدا كان، يعني ما حدا كان فكّر إنه شو عم تعمل هاي، كان كلهن عرفوا إنه إنت فايتة لأنه هيدا موقف عم تجربي إنت توصليله، أنا بقدر فوت على the egg، بس إنه هلأ لأنه نحنا عم نبرم وعم ندوّر ع طريقة لحتى نفوت كل العالم مستغربة وعم يطلعوا فينا إنه شو عم يعملوا هول!

 

نيما صالحة: إي، كرمال هيك أنا حاسة إنه كل الناس تخطت وأنا بعدني علقانة هونيك، لأنه أنا عم فوت لنفس السبب، أنا عم فوت لإثبت إنه فيي فوت، مش بس لإنه بدي سجل. ف فكرة إنه الناس مش متقبلة أو مستغربة بتعطيني انطباع إنه أنا اللي مأخرة، لازم كمان اتخطى، لازم المحل يبطل يعنيلي شي لأنه بطّل إلي.

هبة عفيفي: حلقة انهاردة من إنتاج دينا سالم، تحريري أنا هبة عفيفي ، تصميم صوتي منذر الهاشم، تدقيق حقائق دينا صبري، تصميم جرافيكي أحمد سلهب، فريق التسويق بيلا إبراهيم وسمية بوعبدلله. شكرا كثير لضيوف حلقتنا، جنى نخال، فراس حيدر ومنى حرب. إذا عجبتكم الحلقة يا ريت تشاركوها مع أصحابكم خاصة اللي لسه ماكتشفوش عالم البودكاست، وتعملوا اشتراك في قناة البرنامج على أي منصة بودكاست بتستعملوها وتعملوا تقييم للحلقة، ده هيساعدنا كتير ان ناس أكتر تلاقينا. وإذا حابين تدعمونا عشان نقدر نستمر في انتاج حلقات دي دي روحوا لpatreon.com/kerningcultures. واذا حابين تشوفوا تفاصيل أكتر وصور من  كواليس الحلقة روحوا على حسابات كيرنينج كلتشرز على مواقع التواصل الاجتماعي. برنامج مسافات من إنتاج شبكة كيرنينج كلتشرز. بنشكركم للإستماع وهنشوفكم في حلقة جديدة كل يوم جمعة